فصل: 83- باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أَوْ حرص عليها فعرَّض بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.81- باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لَمْ يتعين عليه أَوْ تَدْعُ حاجة إِلَيْهِ:

قَالَ الله تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُريدُونَ عُلوًّا في الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
العلو: التكبُّر والاستكبار، والفساد: المعاصي والظلم.
674- وعن أَبي سعيدٍ عبدِ الرحمنِ بن سَمُرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحمن بن سَمُرَةَ، لا تَسْأَلِ الإمَارَةَ؛ فَإنّكَ إن أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: النهي عن سؤال الإِمارة وأن من سألها لا يعان عليها وكذلك غيرها من الولايات. وروى ابن المنذر عن أنس رفعه: «من طلب القضاء واستعان عليه بالشغماء وُكِلَ إلى نفسه، ومن أُكره عليه أنزل الله له ملكًا يسدده»
فيه: استحباب التكفير عن اليمين وفعل الخير قال الله تعالى: {وَلا تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224].
675- وعن أَبي ذرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إنِّي أرَاكَ ضَعِيفًا، وَإنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي. لا تَأمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ». رواه مسلم.
فيه: أن العاجز عن القيام بحقوق الإِمارة وتنفيذ أُمورها لا يجوز له أن يدخل فيها، وكذلك العاجز عن إصلاح مال اليتيم.
676- وعنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول الله، ألا تَسْتَعْمِلُني؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنّها أمانةٌ، وَإنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلا مَنْ أخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا». رواه مسلم.
قال القرطبي: ووجه ضعفه عنها: أن الغالب على أبي ذر، الزهادة في الدنيا، والإِعراض عنها، ومن كان كذلك لم يعتن بمصالح الدنيا ولا بأموالها، وبمراعتها تنتظم مصالح الدين ويتم أمره.
677- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإمَارَةِ، وَسَتَكونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه البخاري.
فيه: كراهة الحرص على الإِمارة.
قال بعض السلف: أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة. يعني: لمن لم يقم بحقها ولم يعدل فيها.

.82- باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور عَلَى اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم:

قَالَ الله تَعَالَى: {الأَخِلاءُ يَوْمَئذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا المُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
قال ابن كثير: أي: كل صداقة وصحبة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله عزَّ وجلّ، فإنه دائم بدوامه.
قلت: والصحبة ثلاث درجات: الأُولى: للدنيا، فهذه تزول بزوال سببها. الثانية: صحبةٌ على المعاصي، فإنها تنقلب عداوةً. الثالثة: صحبة الدين، فإنها تبقي في الدنيا والآخرة.
678- عن أَبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَليفَةٍ إلا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بالمَعْرُوفِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ». رواه البخاري.
في هذا الحديث: الحث على اتخاذ وزراء صالحين لولاة الأمور. وأن من سعادة ولي الأمر صلاح جلسائه، ومن شقاوته فساد جلسائه.
وقد قال الشاعر:
لا تسل عن المرء وسل عن قرينه ** فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي

679- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أرَادَ اللهُ بِالأَمِيرِ خَيْرًا، جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صدقٍ، إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإنْ ذَكَرَ أعَانَهُ، وَإِذَا أرَادَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ، إنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ، وَإنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ». رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ عَلَى شرط مسلم.
فيه: الحث على اتخاذ وزير صالح، وأن ذلك من علامة سعادة الوالي، والتحذير من وزير السوء، وأنه علامة على شقاوة الوالي.

.83- باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أَوْ حرص عليها فعرَّض بها:

680- عن أَبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أحَدُهُمَا: يَا رسول الله، أمِّرْنَا عَلَى بَعْض مَا ولاكَ اللهُ- عز وجل، وقال الآخَرُ مِثلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إنَّا وَاللهِ لا نُوَلِّي هَذَا العَمَلَ أحَدًا سَألَهُ، أَوْ أحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
سؤال الولاية والحرص عليها يشعر بأنه لم يَسعَ في ذلك لنفع الإِسلام والمسلمين، وإنما سعى لنفع نفسه بجمع الدنيا، وفي ذلك إهلاك له، وإفساد لأمر الناس دنيا وأُخرى.

.كِتَاب الأَدَب:

.84- باب الحياء وفضله والحث على التخلق به:

681- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَار وَهُوَ يَعِظُ أخَاهُ في الحَيَاءِ، فَقَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ، فَإنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
الأدب: الأخذ بمكارم الأخلاق. والحياء: من الأدب وهو من الإيمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
682- وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلمٍ: «الحياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» أَوْ قَالَ: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ».
الحياء يكف صاحبه عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحثه على مكارم الأخلاق ومعاليها. قال بعض السلف: رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءةً، فاستحالت ديانةً.
683- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَوْلُ: لاَ إلهَ إِلا الله، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
«البِضْعُ» بكسر الباءِ ويجوز فتحها: وَهُوَ مِنَ الثَّلاَثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ.
وَ «الشُّعْبَةُ»: القِطْعَةُ وَالْخَصْلَةُ. وَ«الإمَاطَةُ»: الإزَالَةُ. وَ«الأَذَى»: مَا يُؤْذِي كَحَجَرٍ وشوك وَطِينٍ ورماد وَقَذَرٍ وَنَحْو ذَلِكَ.
الإيمان: يطلق على جميع أمور الدين من اعتقاد القلب، وقول اللسان، وفعل الجوارح.
684- وعن أَبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، فَإذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ في وَجْهِه. متفقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ العلماءُ: حَقِيقَةُ الحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ القَبِيحِ، وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ في حَقِّ ذِي الحَقِّ. وَرَوَيْنَا عَنْ أَبي القاسم الْجُنَيْدِ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: الحَيَاءُ: رُؤيَةُ الآلاءِ- أيْ النِّعَمِ- ورُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ، فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى حَيَاءً. وَالله أعلم.

.85- بابُ حفظ السِّر:

قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34].
ذكر الآية في حفظ السر لأنه مما يعتاد التعاهد على كتمانه إما لفظًا أو بقرينة الحال.
685- وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأةِ وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». رواه مسلم.
الإفضاء: مباشرة البشرة، وهو كناية عن الجماع. وفي الحديث وعيدٌ شديدٌ على من ذكر تفاصيل ما يقع بيينه وبين امرأته حال الجماع.
686- وعن عبدِ الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ عمرَ رضي الله عنه حِيْنَ تأيَّمَتْ بِنْتُهُ حَفْصَةُ، قَالَ: لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رضي الله عنه، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ؟ قَالَ: سأنْظُرُ فِي أمْرِي. فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أنْ لا أتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه، فقلتُ: إنْ شِئْتَ أنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ، فَصَمتَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئًا! فَكُنْتُ عَلَيْهِ أوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثَ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا النبي صلى الله عليه وسلم فَأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ. فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِيْنَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ فقلتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أنْ أرْجِعَ إِلَيْك فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلا أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَوْ تَرَكَهَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لَقَبِلْتُهَا. رواه البخاري.
قوله: «تَأَيَّمَتْ» أيْ: صَارَتْ بِلا زَوْجٍ، وَكَانَ زَوْجُهَا تُوُفِّيَ رضي الله عنه. «وَجَدْتَ»: غَضِبْتَ.
في هذا الحديث: عرض الإنسان موليته على أهل الخير.
وفيه: كتم السر والمبالغة في إخفائه.
687- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كُنَّ أزْوَاجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ، فَأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تَمْشِي، مَا تُخْطِئُ مِشيتُها مِنْ مشْيَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا، وقال: «مَرْحَبًا بابْنَتِي»، ثُمَّ أجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكتْ بُكَاءً شَديدًا، فَلَمَّا رَأى جَزَعَهَا، سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ، فقلتُ لَهَا: خَصَّكِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بالسِّرَارِ، ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ! فَلَمَّا قَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَألْتُهَا: مَا قَالَ لَكِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: مَا كُنْتُ لأُفْشِي عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ، لَمَا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالتْ: أمَّا الآن فَنَعَمْ، أمَّا حِيْنَ سَارَّنِي في المَرَّةِ الأُولَى فأخْبَرَنِي أنّ جِبْريلَ كَانَ يُعَارِضُهُ القُرآنَ في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَأنَّهُ عَارَضَهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ، وَإنِّي لا أُرَى الأجَلَ إِلا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي، فَإنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ، فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأيْتِ، فَلَمَّا رَأى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤُمِنِينَ، أَوْ سَيَّدَةَ نِساءِ هذِهِ الأُمَّةِ؟» فَضَحِكتُ ضَحِكِي الَّذِي رَأيْتِ. متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلم.
في الحديث: تقديم المؤانسة قبل الإخبار بالأمر.
وفيه: أن جزاء الصبر على قدر عظم المصيبة.
وفيه: لطف المولى سبحانه من تعقيب الكسر بالجبر، والحزن بالفرح، والعسر باليسر.
وفيه: حفظ السر.
688- وعن ثَابِتٍ عن أنس رضي الله عنه قال: أتَى عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأنَا ألْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَسَلمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَني فِي حاجَةٍ، فَأبْطَأتُ عَلَى أُمِّي. فَلَمَّا جِئْتُ، قالت: مَا حَبَسَكَ؟ فقلتُ: بَعَثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ، قالت: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إنَّهاَ سرٌّ. قالت: لا تُخْبِرَنَّ بِسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحَدًا، قَالَ أنَسٌ: وَاللهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أحَدًا لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ. رواه مسلم وروى البخاري بعضه مختصرًا.
في الحديث: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أن حفظ السر يختلف باختلاف الأحوال، فتارةً يجوز إفشاؤه بعد الموت كما في حديث عائشة وفاطمة، وتارة لا يفشي. ولفظ البخاري عن أنس: (أسر النبي صلى الله عليه وسلم سرًا فما أخبرت به أحدًا بعده، ولقد سألتني أمي أم سليم فما أخبرتها به).